بسم الله الرحمن الرحيم
الشيخ أحمد ياسين في ذمة الله
(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً) سورة الأحزاب.
في فجر يوم الاثنين، غرة صفر 1425 هـ، لقي شيخ المجاهدين الفلسطينيين الشيخ أحمد ياسين ربه، وهو يغادر المسجد على إثر أدائه صلاة الفجر على كرسيه المتحرك، حيث تعرض هو وأبناؤه وعدد من المصلين لهجوم بالصواريخ الأمريكية مقذوفة من أباتشي أمريكية تحميها طائرات "ف16" أمريكية، فتطايرت جثة الشيخ الجليل وكرسيه وحوالي عشرة ممن كانوا معه، أشلاء ممزقة، إضافة إلى عشرات من الجرحى منهم ابنا الشيخ.
وإزاء هذه الجريمة النكراء الجديدة التي استهدفت شيخاً مقعداً يؤدي فريضة دينية هي رمز السلام، وجمعاً من المصلين؛ فإنّ الموقعين على هذا البيان من العلماء وقادة الحركات الإسلامية والمفكرين والدعاة لا يملكون إلا أن يوجهوا هذا النداء للأمة العربية والإسلامية ولشعوب وأحرار العالم.
1- نحن لا نعزي شعب فلسطين في قائد الانتفاضة والمقاومة، فلقد لقي أغلى ما يتمناه مسلم في مثل إيمانه الشامخ، وهو الذي تربى في مدرسة من شعاراتها الأساسية "والموت في سبيل الله أسمى أمانينا" ترجمة لقيمة الشهادة في الإسلام: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون) .. نحن نهنئه وأسرته المجاهدة وتلاميذه وكل شعب فلسطين، أن أسس حركة زفت إلى الفردوس الأعلى، إن شاء الله، آلاف الشهداء، وفتحت في جدار اليأس والخنوع والاستسلام العربي والدولي لموازين القوة؛ طريقاً للحرية والعزة، فكان الشيخ في حياته وفي رحيله قدوة وقائداً للمجاهدين، لم يعقه بدنه المنهك أن يتبوأ أرفع مستويات البطولة والقيادة والفداء، مما هو درس لكل ضعيف، ولشعوبنا المستضعفة: أنه مع الإيمان والعزم والتوكل يمكن لمقعد أن يقاوم، بل ألا يكتفي بالمقاومة وحسب؛ وإنما أن يربي شعباً على المقاومة ووحدة الصف وإدخال الرعب على أعتى القوى المادية الشيطانية، حتى لم يبق أمام المجرم شارون وهو يتأهب للرحيل مهزوماً عن غزة إلا أن يواري حقده وجبنه بإضافة هذه الجريمة التي لن تؤخر مسيرة أطلقها أحمد ياسين على طريق أسلاف له ورفقاء عظام مضوا شرفاء شهداء.
2- أيها المؤمنون؛ أيها العرب؛ أيها الأحرار؛ إنّ ما أقدمت عليه سلطة الاحتلال الصهيوني من اقتراف هذه المجزرة؛ لم يكن سوى حلقة من سلسلة جرائم ضد الإنسانية دأبت عليها سلطة الاحتلال منذ أزيد من نصف قرن لتهجير شعب فلسطين من أرضه، ولكسر إرادته، وزرع الفتن بين أبنائه، والإمعان في التنكيل والاغتيال والاقتحام والحصار ونسف المنازل وتجريف المزارع لإهلاك الحرث والنسل، وذلك على مرأى ومسمع من العالم، بل وتشجيع من بعض الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة. وجاء اغتيال شيخ الانتفاضة تتويجاً لتلك الجرائم، وما كان ذلك ليحدث ويتمادى ويتفاقم لولا ضوء أخضر أمريكي وتخاذل دول عربية وإسلامية بلغ حد التواطؤ مع الكيان الصهيوني وإقامة علاقات علانية وسريّة معه. وعلى الضدِّ من ذلك التضييق على شعب فلسطين وخنق مقاومته خضوعاً للضغوط الأمريكية، بما يحمِّل هذه الدول قسطاً وافراً من تبعة هذه الجريمة إلى جانب الولايات المتحدة والدول المتواطئة.
3- نحن نشدّ على يد شعب فلسطين العظيم حراس الأقصى، وهم على الخط الأول في الدفاع عن الأرض والعرض، عن الدين والقيم الإنسانية، التي تُنتهك على أيدي بعض الدول العظمى بزعامة أمريكا وحلفائها في المنطقة، ندعوهم إلى مزيد من الثبات والصمود ووحدة الصف الوطني وتصعيد المقاومة، فالعدو يوشك أن يلوذ بالفرار أمام بأس المجاهدين، كما فرّ سابقاً من لبنان تحت جنح الظلام.
4- ندعو الشعوب، فهي أملنا بعد الله عز وجل عرباً ومسلمين ومسيحيين، وسائر أحرار العالم؛ إلى وقفة عز وشرف من أجل بذل كل صنوف الدعم المادي والمعنوي لشعب فلسطين البطل وهو يقارع في بسالة؛ الهمجية النازية الصهيونية المدعومة من الإمبريالية الأمريكية.
إنّ مقاومة الكيان الصهيوني باعتباره قاعدة متقدمة للإمبريالية والتوحش المعاصر، وخطراً على المنطقة والعالم؛ سيمثل منطلقاً عظيماً لتحرير العالم كله من الظلم والهمجية، وفي هذا الصدد نهيب بكل الأحرار والشرفاء في العالم أن يعبِّروا عن تضامنهم بكل السبل المتاحة مع شعب فلسطين، مستنكرين هذه الجريمة الشنعاء التي أودت بحياة قائد المقاومة والانتفاضة، وذلك عبر المسيرات والاعتصامات والبيانات وحشد كل الطاقات لدعم المقاومة الباسلة حتى يستيقن مجرم الحرب شارون ومن وراءه أنه لا يقاتل شعبا معزولاً؛ وإنما هو يحارب كل العرب والمسلمين وأحرار العالم.
بوركت أيها الشيخ المقعد، يا من علّمت المستضعفين كيف ينتصرون على من أسكرتهم نشوة القوة المادية والسلاح المتفوق، ولم يحسبوا أنّ القوة قوة الروح، غافلين عن أنّ القوة هي قوة الروح والعزم والتوكل كما هم غافلون عن وعد الله .
(إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار) سورة غافر.